رواية قصيرة: اللعبة .. (الحلقة الأولى)

رواية قصيرة: اللعبة .. (الحلقة الأولى)

الكاتب محمد بهاءالدين بتاريخ 25 يوليو، 2018


رواية اللعبة

الحلقة الاولى:

 

 

في ليلة عادية جدا كان هناك شخص ما يطرق باب أحدهم دون توقف حتى أتاه صوت من الداخل وهو يتسأل ببعض الحيرة والكثير جدا من الكسل:

– من هناك؟

زادت الضربات فى الباب ورد الطارق ببعض اللهفة:

– افتح يا جيمي.. انه انا .. رومان.

لم تمض ثواني حتى كان جيمي يقف امام رومان بعد أن فتح الباب وهو ينظر إليه بكل استغراب وأخرج رأسه قليلا وهو ينظر الى بقية الحي ورمق السماء ايضا بنظرة سريعة وكأنه أراد أن يعرف ضيفه أن الوقت متأخر على هذه الزيارة.

ومع ذلك دخل جيمي الى المنزل وكانت العلاقة الأسرية القوية بينهما سببا فى عدم دعوته لرومان للدخول، لأنه كان متأكد بأن ذلك الاذن لن يوقفه، وهو ما حدث بالفعل، بل وتخطاه رومان وهو يتجه الى الثلاجة دون أن يفتح فمه بأي كلمة.

كان جيمي يراقب رومان ببعض الاستغراب وهو يتحدث أليه قائلا:

– كما ترى كنت انا ونايومي على وشك النوم ونحن نشاهد أحد الافلام.

نهضت نايومي من الاريكة وكان جيمي يحاول طمأنتها بأن الزائر هو رومان بعد ان انتبه الى انها كانت خائفة، بل وخائفة اكثر من اللازم.

فى تلك اللحظة كان رومان قد اخرج قارورة الماء من الثلاجة وبدأ فى افراغ محتواها فى جوفه دون توقف، وهو ما جعل جيمي يشعر ببعض القلق هو الآخر، لأن رومان عادة ما كان يخرج مشروب آخر من ثلاجته حين يأتيه فى المنزل، وزاد كثيرا قلقه حين اشار اليه رومان بالاقتراب منه.

وقف الاثنين فى مواجهة بعضهما ولا شئ بينهما سوى انفاسهما، ولم يمهله رومان طويلا وبدأ فى الحديث:

– اسمع.. لا وقت لدي .. اريد أن أخبرك بأمر ما وانا أعلم مدى بشاعته .. لكننى أفضل ان تعرف مني بدلا من أن تعرف من شخص آخر.

لم يكن جيمي يعرف ما يريد رومان أن يخبره به، لكنه تأكد أن الأمر كبير للغاية، فدونا عن بقية افراد الاسرة واصدقائه لا يميل رومان كثيرا الى المزاح، وحين تكون ملامح وجهه مثل التى يراها امامه فأن وصف الامر بكلمة مصيبة هو قليل للغاية.

– جيمي.. قد اخسرك للأبد .. بل سأخسرك فعلا.. لكننى اريد أن اكون رجلا فى هذه اللحظة بالتحديد بعد أن كنت جبانا طيلة الوقت. خصوصا بعد أن عرف فينس بالأمر وسيحاول استغلاله

قالها رومان وهو يتجه نحو نايومي هذه المرة والتى كانت شبه منهارة تماما، وهو ما جعل جيمي يسرع اليها ويضمها اليه وهو يشير الى رومان بمواصلة الحديث بعد ان كاد عقله ينفجر من كثرة التفكير.

– دون مقدمات.. دون تبرير.. انا خنتك يا اخى.. وخنت ثقتك ورابطة العائلة بيننا.

توقف رومان وهو يلقى بجسده على اقرب مقعد ويحاول أن يسيطر على صوته بعد ان بدأت الكلمات تخرج بصعوبة شديدة، ومن ثم أخذ تنهيدة طويلة للغاية، ورفع عينيه والتى كان بها بعض الدموع ونظر الى جيمي وكأنها آخر مرة سينظر فيها اليه وقال:

– لقد فعلتها.. فعلتها مع نايومي

حل الصمت تماما فى تلك اللحظة.. وعاد رومان ينظر الى الارض وترك الدموع تنهمر من عينيه هذه المرة، بينما كان جيمي ينظر اليه وملامح وجهه الجامدة جعلته اشبه بالتمثال.

لا احد يعرف كم مضى من الوقت على تلك اللحظة الصامتة لكن جيمي لم يتمكن من السيطرة على نفسه فى النهاية واطلق ضحكة مترددة وهو يتحدث الى رومان:

– ما هذا الهراء الذي تقوله.. عن ماذا تتحدث.. هل جننت.

واصل جيمي حديثه وهو يضيف اليه لهجة غاضبة وقال:

– ثم كيف تجروء على قول ذلك.. انها زوجتي عليك اللعنة .

لم يتمالك جيمي نفسه واتجه نحو رومان بعد قرر ان يترك يديه تكملان بقية المحادثة وهو يردد:

– كنت أعرف انك مخمور حين اتيت الى هنا، لكننى لم اتوقع أن يصل بك الأمر ل..

توقف جيمي فى مكانه حين امسكت يد نايومي به وصوتها وهى تبكي جعله يلتفت اليها بكل دهشة لتصعقه كلماتها بمنتهى العنف وهي تقول بين دموعها:

– انا آسفة.. لقد كنت ضعيفة ولم أتوقع ان يصل الامر الى تلك المرحلة.. انا آسفة..

تراجع جيمي وابتعد عن الاثنين وهو غير مصدق لما يسمع، لكن كلما كان يبتعد عنهما كلما كانت الحقيقة تملأ عقله اكثر، حتى لم يعد قادر على تمالك نفسه وجلس على درج السلم وهو يردد كلمات غير مفهومة ويقلب نظره بين رومان وزوجته نايومي.

حاولت الاخيرة الاتجاه نحو تترجاه لكنه أشار اليها بالتوقف وعدم الاقتراب منه، ومن ثم نهض بعد أن انتقلت الدماء التي فى جسده كله الى وجهه، واصبحت ملامحه اقرب الى الشيطان وهو يقول:

– هناك مكان واحد تستحقان الذهاب اليه.. الجحيم.

ومن ثم اسرع بالصعود الى الاعلى فى اتجاه غرفته، ولحقت به نايومي وهي تصرخ فيه بأن يسامحها وان لا يقدم على تصرف يندم عليه لاحقا.. بينما كان رومان فى ذات الوضعية دون ان يتحرك وكأن لا شئ بات يهمه بعد ان اعترف بالامر.

إلا أن صوت طلقة نارية جعله يقفز من مكانه فورا، وأسرع نحو الى السلم ليعرف ما يحدث، لكن نايومي كانت فى طريقها الى الاسفل وهي تركض مذعورة:

– انه يحمل المسدس، سيقتلنا الاثنين.

وعلى الفور ولأن غريزة النجاة في الانسان لا تحتاج لتوجيهات، امسك رومان بيد نايومي واسرعا ليغادرا المنزل ومن ثم الى السيارة وينطلقان فى الطريق دون توقف.

اخرج رومان الهاتف وقام بالاتصال بأحدهم وما ان سمع صوته حتى بدأ يصرخ:

– لقد اخبرت جيمي، لكنه تحول الى مجنون تماما وكان على وشك قتلنا الاثنين، لم اتوقع ذلك، عليك التصرف يا فينس.

استمع رومان الى محدثه قليلا ونايومي تنظر اليه وهى غير قادرة على ايقاف سرعة دقات قلبها وانفساها المتقطعة:

– حسنا .. نحن فى الطريق اليك.

قالها رومان واغلق الهاتف وطلب من نايومي ان تهدأ.

وبالفعل كان الاثنين بعد عدة دقائق امام باب مكتب فينس، والذي استقبلهما بملامح جامدة وطلب منهما الدخول بسرعة، بينما لم يتوقف رومان عن الحديث حتى قبل ان يدخل الى المكتب:

– اللعنة.. لقد كنا على وشك الموت، الامر كان جنونيا.. عليك ان تتصل بجيمي وتخبره بحقيقة الامر، وان الامر مجرد سيناريو ليس الا.

ابتسم فينس بسخرية وهدوء وهو يمد لهما كوبين من الشراب وقال:

– حسنا سأخبره بالحقيقة، ولكن ما الذي كنت تتوقعه، لقد اخبرت الرجل بأنك خنته مع زوجته.

وعلى غير المتوقع انفجر فينس بالضحك وهو يقول:

– كان علي ان اكون هناك حتى ارى منظركما وانتما تركضان خوفا من المسدس.

جلس فينس فى مقعده ووضع قدما فوق الاخرى وهو يواصل حديثه:

– لا مشكلة.. ساصلح الامر، جيمي في طريقه الى هنا ايضا.

نهض رومان ونايومي معا وهما يتسألان ان كان فينس مجنونا لدعوته للشخص الذي يبحث عنهما وهو يحمل مسدس لقتلهما.

لكن فينس اشار اليهما بالهدوء وطالبهما بالجلوس وقال انه سيتحدث الى جيمي قبل الدخول الى المكتب ويخبره بالحقيقة، ومن ثم نهض من مكانه حين اخبره رجال الامن عبر مكبر الصوت فى مكتبه ان جيمي فى المصعد.

غادر فينس المكتب واغلقه من خلفه لكنه لم يبتعد عن الباب كثيرا. وفى الداخل سمع رومان فينس وهو يتحدث الى جيمي ببعض الكلمات بينما كان الاخير لازال غاضبا وصوته يعلو اكثر.

وبعد شد وجذب بين فينس وجيمي خفت الاصوات، وهو ما جعل رومان يتنهد مرتاحا بعد ان عرف جيمي بحقيقة الامر، وبالفعل فتح فينس باب المكتب وهو يطلب من جيمي الدخول، لكنه طلب منه ان يكون عقلانيا كما وعده، وهو ما جعله رومان يشعر ببعض الحيرة لكنه اتجه الى جيمي وهو يقول:

– لقد كانت فكرة فينس صدقني، لم اكن لأوافق عليها لولا الحاحه الشديد، لقد كان يريد ان يصور سيناريو على طريقة الواقع ، واتفقنا مع نايومي على وضع الكاميرات فى المنزل، انا اسف يا اخى..

لكن لكمة قوية من جيمي في وجه رومان جعلت الاخير يبتلع بقية كلماته وهو يسقط على الارض بينما كانت نايومي تصرخ من الخوف، وفينس يسرع للامساك بجيمي بكل صعوبة.

نهض رومان وهو يمسح الدماء عن فمه وينظر باستغراب وغضب الى جيمي والى فينس وكأنه يسأله عن ما يحدث، ولماذا يتصرف جيمي بهذه الطريقة بعد ان عرف كل شئ. لكن حيرة رومان بدأت تتلاشى حين بدأ فينس فى الحديث:

– لقد اخبرت جيمي بالحقيقة، وهى انك نادم على ما فعلته مع نايومي وستفعل كل شئ لتعويضه.. اما عن قصة السيناريو التى قلتها، فهو يعرف ايضا بأنك اختلقتها وطلبت منى ان اشترك معك فيها حين خفت على نفسك من القتل.. والآن اخرج من هنا قبل ان يتطور الامر وتحولان مكتبى الى مسرح جريمة.

اتسعت عيني رومان من الدهشة وهو يستمع الى تلك الكلمات من فينس، وشيئا فشيئا بات عقله يربط الاحداث ببعض ليكتشف امر آخر تماما لم يكن يتوقعه على الاطلاق، وهو انه بات ضحية الاعيب فينس وسيفقد بذلك صديقه جيمي وجميع افراد عائلته وحتى عمله وكل شئ.

 

يتبع..

 

الكاتب: محمد بهاء الدين