رواية قصيرة: اللعبة (الموسم الثاني – الحلقة السادسة)

رواية قصيرة: اللعبة (الموسم الثاني – الحلقة السادسة)

الكاتب محمد بهاءالدين بتاريخ 10 سبتمبر، 2018


كعادته دوما كان فندق كاريبيان الاكثر صخبا ونشاطا بين جميع المباني فى مدينة نيويورك، شعلة من النشاط بين زوراه توزعت بين ضحكات المخمورين، همسات العشاق، مجون المشاهير، واحاديث رجال الاعمال. غرفة واحدة فقط، بين جميع مئات الغرف في تلك البناية كانت اشبه بالقبر، وسريرها كالتابوت تجلس عليه رينيه يونغ.

توسطت رينيه السرير وهى تتكئ بظهرها على الحائط وتضم ساقيها الى صدرها وتحيطهما بيديها وهى تدفن رأسها تماما، كل شئ كان اشبه بالحلم، الساعات الماضية كانت كاخطبوط اسود من الدمار والدماء يتمدد مع مرور الوقت. جريمة رومان رينز وفينس ماكمان كانت غريبة للغاية، لكن ما يحدث حاليا اقرب للخيال.

بعد ان كانوا شهود على ذلك السيناريو المعلون، باتوا هم الان الضحايا ويتساقطون واحدا تلو الاخر، حياتها وحياة زوجها فى خطر، ولا احد يعرف من أين يبدأ حتى يوقف ذلك السيناريو المميت، وكأنهم يجلسون بلا حول ولا قوة ينتظرون دورهم في الموت فقط. وهو بالتحديد ما لا تنوى فعله بعد الان، لقد ظلت ترتعب وتطارد الاخبار السيئة طيلة الفترة السابقة، الان حان وقت التصرف، قد تكون هي من اطلقت تلك الشرارة بزيارتها لرومان رينز، لكنها ستكون من يوقفها.

تملمت رينيه فى مكانها وبدأت تستجمع قواها، وهى تستعيد شجاعتها التى فقدتها تماما مؤخرا، وتحاول ان تستدعي خبرتها الطويلة فى مجال التحري والتقصى والتى اكتسبها من عملها لسنوات في مجال الاعلام ومتابعة التقارير والتحقيقات الصحفية، وبالفعل عادت الدماء الساخنة ممزوجة بالادرينالين تضخ فى جسدها، لكن.. رنين هاتفها اعادها سريعا الى دائرة الذعر، وتحول الادرينالين فى جسدها الى قشعريرة وهى ترى رقم غريب يظهر فى الشاشة. وبيدين ترتجفان قام بالتقاط الهاتف وهى ترد بصوت خافت:

– مرحبا

المتحدت: رينيه ؟؟ انه انا رومان رينز.

صعقت الاخيرة تماما، وكان الف ثعبان قد خرج من سماعة الهاتف للدغها فى تلك اللحظة.

رومان: لقد حذرتك !! اليس كذلك؟ لكنك لم تستمعى الي… الان فات الآوان بالنسبة لكم.. لكن اسمعى جيدا ..

وبحركة لا ارادية اغلقت رينيه الهاتف.. اغلقته لكنها ظلت واقفة مكانها وهى تنظر الى المجهول، تأكدت ان هذا الرعب الذي تعيشه لن ينتهى، لا يبدو ان رومان سيتركههم حتى يقضى عليهم تماما، الانتقام سيطر عليه وتحول الى شخص مختلف..

رن هاتفها من جديد وسقط من يدها هذه المرة، ترددت الف مرة قبل ان تنظر اليه، تمنت ان يكون قد تحطم على الارض حتى تنقطع علاقتها تماما مع الواقع، الا ان اسم زوجها دين الذي ظهر في الشاشة اعاد اليها الحياة والكثير جدا من الطمأنينة، فاسرعت بالرد بكل لهفة:

– دين .. يا ألهى.. لن تصدق من اتصل بي قبل قليل..

قاطعها الاخير وهو يتحدث بصوت خافت جدا:

– رينيه اسمعيني أولا.. اريد ان اسألك سؤالا.. هل كان سيث معك فى الفندق يوم أمس حتى الصباح؟

تفاجأت كثيرا بالسؤال.. حاولت ان تبرر لزوجها .. حاولت ان تدافع عن نفسها، اغضبها توقيت السؤال.. العديد من المشاعر المختلطة سيطرت عليها، فخرجت منها كلمات اكثر اختلاطا لم تشكل اي جملة مفيدة على الاطلاق.

لكن ذلك لم يوقف دين عن مواصلة حديثه والذي كان جديا فيه للغاية:

– اريدك ان تتذكري جيدا.. هل ظل سيث فى الغرفة طيلة الوقت، ام انه غادر وعاد من جديد؟

دهشتها صيغة السؤال هذه المرة أكثر، لكنها اجابت بتلقائية وبعض الارتياح بعد ان خرج الأمر عن دائرة الشكوك فيها:

– لا أعلم يا دين .. لقد نمت وتركته فى الغرفة ولم استيقظ الا الصباح، لقد استيقظت متأخرة اليوم. ولكن لماذا تسأل.. أين انتما الآن؟

اجابها الصمت لبعض الوقت وهى تستمع لانفاس دين من الطرف الاخر، ومن ثم قال لها:

– لا اعرف ما يحدث انا ايضا، من المفترض ان تتحرى الشرطة معنا على اساس ان هناك من اقتحم منزل نايومي، لكنهم الان يعتقدون ان من اعتدى عليها دخل الى المنزل دون اقتحام، شخص تعرفه وتثق فيه.

اسرعت رينيه بتوجيه سؤال مهم للغاية:

– وهل تشك الشرطة فى أحد؟

اخرج دين نفسا عميقا وقال:

– سيث الان فى غرفة التحرى، وما سمعته وفهمته انهم يشكون فى انه قد غادر الفندق وعاد من جديد، ولا يوجد شاهد عيان على مغادرته سوى انتي.. كاميرات الفندق اظهرت انه غادر الغرفة ليلا وعاد مع بداية الصباح. ساتصل بك لاحقا واشرح لك اكثر.. اسمعى..

تردد دين فى مواصلة حديثه وكأنه يطرد بعض الافكار من رأسه ومن ثم واصل:

– قد يكون الامر مصادفة فقط، وقد يبدو ما اقوله مبالغ فيه قليلا، لكن حاولي ان لا تكوني مع سيث لوحدكما، اعرف انه صديقي لكن لا احد بات يعرف ما يحدث حاليا وفي من يمكنك ان تثق، لا تغادري الغرفة انا فى الطريق اليك.

انتهت المكالمة لكن حيرة رينيه كانت قد بدأت للتو.. علامة استفهام كبيرة وضعت بعد سؤال صعب وغير منطقي للغاية.. هل يعقل ان يفعلها سيث رولينز؟ لا اجابة على الاطلاق، ولن تكون هناك اي اجابة طالما ظلت هي فى هذه الغرفة اللعينة.

حزمت رينيه أمرها وانطلقت فورا لتغادر هذا الفندق المشؤم، انطلقت لتكون ممن يصنعون الحدث، بدلا من ان تكون مجرد متلقية للضربات، عليها ان تنسى خوفها وان تتذكر انها هناك شخص فى الخارج يحتاج اليها، شخص اختارته واختارها من بين الملايين ليقضيا العمر سويا، انه دين.. حبيبها الذي يطارده الموت من مكان الى آخر، ويقترب منه كلما مر الوقت عليه… وربما يكون الان برفقة آخر شخص كان تعتقد انه سيشكل خطرا عليهما.. سيث رولينز.

اطلقت اطارات سيارة رينيه وهى بداخلها صريرا وزمجرت مع انطلاقتها فى الطريق وكأنها توافقها على ما تنوى فعله، صوت المحرك القوي واشعة الشمس التي تخترق زجاج السيارة الأمامي تبعث الدفء فى جسدها. عقلها بدأ يعمل من جديد، العديد من الاسئلة تأتي اليها وترفقها فورا بالاجابة المناسبة، الخطوط المتشابكة بدأت تنحل، كل شئ بات يتضح ليقترب من الحقيقة القبيحة.. لماذا لا يكون سيث رولينز؟

وحتى تغلق بعض الفراغات فى عقلها اخرجت هاتفها وهى تنوى اجراء العديد من الاتصالات وهي فى الطريق، وأولها كان لزوجها دين:

– مرحبا.. انه انا.. اريد ان أسألك.. هل كان سيث برفقتك طيلة الوقت حين وقعت حادثة عرض جيمي أوسو؟

رد دين فورا:

– لا .. لقد تركني لوحدى وانا اتجه الى غرفة الملابس، ومن ثم لم اشاهده حتى ظهر فجأة بعد ان وقعت الحادثة.. ولكن لماذا تسألين؟؟ رينيه !! ماهذا الاصوات ؟ هل تقودين السيارة؟

لم تكن فى حاجة للتبرير له، فهى لا تنوى ان تضيع الوقت فى شرح ما تفعله، بل اغلقت الخط واتصلت فورا بشخص آخر.. تربل اتش:

– مرحبا اتش.. اعذرني على الاتصال فى هذه التوقيت، لكننى اريد ان اسألك عن أمر مهم.. نعم نعم انا بخير.. اسمع.. هل كان سيث ممن سيشتركون فى عرض سماك داون المحلي الاخير؟

استمعت رينيه الى محدثا وهو يتكلم بأهتمام شديد، وتغيرت ملامح وجهها من الاحباط اولا الى الدهشة وبعض الارتياح لاحقا.

فتربل اتش اخبرها بأن سيث رولينز لم يكن من المفترض ان يشارك فى عرض سماك داون الاخير، وهو ما جعلها تشعر ببعض الاحباط لأنه أمر ينسف فرضيتها، لكنها اخبرها بأنه شارك فى عرض اقيم فى تلك الصالة قبلها بيومين فشعرت بالدهشة لتلك المعلومة المثيرة وبعض الارتياح لتأكيد فرضتيها.. وهى ان سيث رولينز هو من يقف وراء كل ذلك.

الان عليها ان تفكر أسرع، ماهي خطة سيث رولينز المقبلة؟ وكيف ستوقفه؟

 

…. يتبع

 

الكاتب: محمد بهاء الدين