توقفت سيارة فى احدي اشارات المرور، نفس السيارة ونفس السائق ونفس التقاطع.. رينيه يونغ كانت كمن اعادها القدر الى المكان الذي بات يرتبط بالموت فقط ولا شئ غيره.. التقاطع الذي مثلت فيه نايومي بأنها انتحرت، وكان السبب فى انتحارها وموتها فعليا.. المكان الذي جعل رومان رينز يتحول الى قاتل، وكان السبب فى ان يتحول الى منتقم فعليا.. كل شئ بدأ هنا.
ولكن هذه المرة لم تتجمد رينيه كالسابق، ولم تحتج لشرطي مرور كي يجعلها تتجاوز الاشارة، بل كانت امرأة اخرى هذه المرة، أمرأة لا تشفق على حالها بقدر ما هي عازمة ان تكون الحل لكل ما يحدث.. فالنسبة لها، كان الجزء الأصعب قد انتهى وانكشف، وهو من يقوم بجرائم القتل.. وهو سيث رولينز، والان يجب ان يتم ايقافه، ومهما كان الثمن.
الأمر كان منطقيا للغاية وبسيط جدا، لكنها كانت لا ترى جيدا وقتها، خلافا للآن، حيث بات عقلها شعلة من النشاط. وبدأت تتذكر وتربط كل الاحداث ببعضها، منذ ان كان سيث وهي فى عروض “ان اكس تي” حين كان الجميع يتحدثون عن اعجابه الشديد بها وهى لا تصدقهم، وحتى مؤخرا حين بدأ يتقرب اليها وهي لوحدها فى غرفة الفندق، وكيف كان يحاول ان يجعل دين أمبروز يظهر بصورة الغير مهتم بها.
ولامت نفسها كثيرا على عدم انتباهها لكل ما يحدث حولها، كل الدلائل تشير الى انه قادر على القيام بتلك الجرائم، فهو الوحيد بين اصدقاء رومان رينز الذي لم تكن له علاقة بالسيناريو السابق، وحادثة اعتداءه الوحشي على فين بالور وتحطيم وجهه بكل قسوة اكبر دليل على ان سيث قادر على القتل.
كانت رينيه تتجه الى المنزل، لكنها مرة أخرى وجدت نفسها تسلك طريقا مختلفا تماما، طريقا تعرفه جيدا، كان السبب فى كل ما يحدث وكان من المفترض ان تكون مذعورة منه، لكنها اصرت على المواصلة حتى تقضى تماما على مخاوفها، وهو الطريق الى السجن الفيدرالي.
ارادت رينيه ان تظهر لرومان رينز انها باتت غير خائفة، والأهم من ذلك ارادت ان تكشف له ان خطته قد أنكشفت وهي مسألة وقت فقط قبل ان يسقط سيث رولينز ويلحق به فى السجن. وبهذه الثقة دخلت رينيه الى السجن وطلبت مقابلة رومان، فتم ارسالها الى صالة الزوار، لكن هذه المرة كانت المقابلة عبر الهاتف، وهو ما اثار بعض الحيرة فى عقلها، فمثل هذه الزيارات تكون للمدانين الخطرين فقط.
جلست رينيه فى الكرسي وزجاج سميك للغاية يفصل بينها وبين كرسي آخر سيجلس عليه رومان حين يأتي، وكانت فى عجلة من امرها لدرجة انها امسك سماعة الهاتف ووضعتها فى اذنها قبل حتى ان يحضر الاخير، وسريعا جدا تأكدت ظنونها، فكان رومان مختلفا تماما عن آخر مرة شاهدته فيها، امتلأ وجهه بالشعر وعينيه محمرتين كالجمر، ليجسد تماما صورة الشر المطلق، وتمنت الف مرة لو لم تقدم على هذه الخطوة الغيبة، الا انها ظلت متماسكة ولم تتزحزح من مكانها.
لكن لكمة قوية من رومان الى الزجاج، وصراخه العالي جعلها تقفز من مكانها وتلقى سماعة الهاتف وتتراجع للخلف، وظلت تحدق فيه وهو يركل الكرسي ويشير اليها ويتحدث بطريقة غاضبة. ومن ثم توقف حين دخل الشرطي. لكن رومان اصر عليه بأن يتوقف قليلا، وهو يشير الى رينيه لإلتقاط السماعة وكان هو يضع الاخر على فمه دون ان يجلس، فاقتربت الاخيرة بحذر شديد وكأن رومان سيخرج اليها عبر الاسلاك، رفعت السماعة دون ان تبعد نظرها عنه، وما وضعتها على اذنها حتى اتاها صوت وكأنها تستمع الى الموت نفسه وهو يقول:
– لقد اتصلت بك لاحذرك.. والأن ماتت زوجتي.. لقد قتلت.. كان يمكنك منع ذلك لو لم تغلقى الهاتف.. (وانفجر يصرخ من جديد) كان يمكنك انقاذها ايتها اللعينة.. ايتها اللعينة …
وانهار يبكي وهو يلقى بنفسه على الارض تاركا رينيه لوحدها تمسك سماعة الهاتف وجسدها يترجف من اعلى رأسها وحتى اصابع قدميها.
مرة اخرى غادرت رينيه ذلك السجن وهي اشبه بالجثة الهامدة، تماما كما حدث معها المرة السابقة، فقدت عادت الى البداية وتفجرت العديد من الاسئلة فى رأسها، لكن اهمها على الاطلاق، ان لم يكن سيث رولينز يعاون رومان رينز على الانتقام، فما الذي يحدث خارجا، من قتل زوجة رومان؟ ولماذا؟ هل من المعقول ان يكون سيث رولينز يعمل لوحده، ويصر على قتل كل من تسبب فى ادخال صديقه الى السجن.
الان بات المهم بالنسبة لها ان تنقذ زوجها، وان تبعده عن طريق سيث رولينز، وكانت المفاجأة انها وجدت العديد من المكالمات من دين حين عادت الى السيارة، واسرعت بالاتصال به ظنا منها انه فى خطر شديد لكنه لم يجب عليها، وفى اثناء اتصالها تلقت مكاملة من آخر شخص كان تتمنى ان يتصل بها حاليا، سيث رولينز.
أسرعت بالرد عليه وهى تفكر فى الصراخ فيه، واخباره بأنها تعرف كل شئ، لكنها قررت ان تعدل عن هذه الفكرة فى آخر لحظة حتى تتأكد أولا من سلامة زوجها، فمتالكت نفسها وردت بهدوء شديد:
– سيث .. مرحبا.. انا؟ فى الشارع، شعرت بالملل وقررت ان اتجول فى المكان، هل تعرف اين دين أمبروز؟
ارتفع حاجبيها من الدهشة وهى تستمع الى سيث رولينز، والذي اخبرها انه ترك دين فى غرفة التحقيق. واوقع نفسه حين ذكر بأنه لا يعرف شيئا عن التحقيقات على الاطلاق ولم تتحدث معه الشرطة.
وبعد ان تأكدت من كذبه انهت المكالمة بصورة ودية، خصوصا وأنه كان يلح عليها بأن تنتظره فى احد المطاعم القريبة لأن دين طلب منه ان يبقى معها فى هذه الفترة، وهي ثاني كذبة يطلقها فى نفس المكالمة.
اتجهت رينيه يونغ الى المنزل، بعد ان فشلت تماما فى ايجاد اي فكرة تبدأ منها خطوتها الاولى, ولم تكن تريد ان تعود الى ذلك الفندق خوفا من يلحق بها سيث رولينز كعادته.
وبالفعل وصلت رينيه الى المنزل وتفاجأت بتواجد سيارة دين أمبروز، فاسرعت بالدخول وهى تهتف بأسمه، وما أن شاهدته امامها حتى اسرعت بالقاء نفسها فى حضنه وهى تهتز من شدة البكاء، والاخير يحاول ان يهدئ من روعها ويخبرها بأنه سيهتم بها اكثر من الآن، فرفعت رأسها وهى تخبره:
– لقد ماتت جالينا زوجة رومان.. احدهم قتلها.. لقد كنت محقا، سيث كان يكذب علي طيلة الوقت، انه القاتل.
ابعدها دين عنه دون ان يفلتها، ونظر اليها وهو فى قمة الاندهاش والغضب وسألها:
– ماذا قلتي.. جالينا قتلت؟؟
ابتعد عنها دين هذه المرة وهو يتراجع الى الخلف ويضع يديه فوق رأسه قبل ان يقول:
– لقد تأخرت كثيرا، انا المخطئ.. كان علي ان اوقفه فورا حين عرفت ..
ومن ثم اسرع دين بالاتجاه ناحية المطبخ، ومد يده الى اعلى الخزانة المعلقة فى الحائط، وسحب مسدسا من هناك وبدأ يضع الرصاصات داخله. فشهقت رينيه من الخوف وقفزت من مكانها مع صوت تجهيز ذلك المسدس.
وضع دين المسدس فى اسفل قميصه خلف ظهره واتجه ناحية الباب للمغادرة والشرر يتطاير من عينيه، فاسرعت رينيه واعترضت طريقه وهى تحيطه بكلتا يديها وتردد:
– لن ادعك تذهب بهذه الطريقة، ما الذي تنوى فعله بالمسدس
وبينما كان يحاول التملص منها وازاحتها عن طريقه، استطاعت ان تجذب المسدس من ملابسه وابتعدت عنه بسرعة كبيرة، فوقف ينظر اليها لبعض الوقت قبل ان يطلق زفرة غاضبة وقال:
– لا يهم… لا احتاج للمسدس للتعامل مع ذلك الجبان الخسيس.
قالها وغادر المنزل فورا تاركا رينيه فى حيرة من أمرها، هل تلحق به، ام تبقى هنا للاتصال بالشرطة، وقررت ان تتخذ الخيار الثاني بعد ان تعبت من المطاردة فى الشوارع.
.. يتبع
الكاتب: محمد بهاء الدين