حقق مهرجان راسلمينيا نجاحا منقطع النظير، وفاق جميع التوقعات، حتى ان فينس ماكمان نفسه لم يكن يتوقع مثل هذا النجاح لمهرجانه السنوى من المرة الأولى. ولو كان هناك أي شخص غير فينس ماكمان على رأس الدبليو دبليو اف فى تلك الفترة لاكتفى بما حققه فى تلك الليلة وواصل فى نفس الطريق، الا ان عبقرية ماكمان وطموحه الذي لا يتوقف هو ما يميزه عن بقية اقرانه فى الوسط الترفيهي.
راسلمينيا كانت ظاهرة ترفيهية من أعلى مستوى، ولفت انتباه ذلك المهرجان احد المدراء التنفيذين بمحطة سي بي سي الشهيرة، وعلى الفور جلس مع ماكمان وخرج الاثنين بفكرة العرض الاسبوعي والذي كان يشمل ايضا تقديم بعض الاغاني المصورة، وهى الفقرة التى لاقت رواجا كبيرا بين الشباب، فمن كان يجلس امام التلفاز فى تلك الليلة، يحظى بمشاهدة احدث الاغاني ومن ثم متابعة امهر وأشهر المصارعين فى نفس الوقت، وهو العرض الذي اطلق عليه “ساترداي نايت”.
ماكمان حول المصارعة الى ظاهرة ترفيهية ووضع مصارع مثل هولك هوغان على قمة المصارعين حول العالم، ودفع بسرعة كبيرة اتحاده للمقدمة وهو يضع الجماهير امام سيناريوهات لم يعهدها الكثيرون قبله، كما ان شغفه بالتلفزيون والمونتاج مكنه من ادارة وحدة التسجيل الخاصة به واخارج النزالات من وجهة نظره هو فقط، وكان عمله خلف الكاميرات اكثر بكثير من عمله كمذيع على طاولة التعليق.
كان يدير كل صغيرة وكبيرة، ولا يدع شيئا لا يقف عليه حتى ينفذ، فكانت النزالات تكتب بيده، وكذلك طريقة دخول وخروج اي مصارعة، وحتى الاضاءة وزاوية الكاميرا.
تحولت WWF بفضل فينس ماكمان الى ما تساوى قيمته اكثر من مليار دولار فى ذلك الوقت، وكانت العروض الاسبوعية التى تبث عبر التلفاز بمثابة الدجاجة التى تبيض ذهبا على ماكمان كل مرة بفضل الاعلانات التى كانت تبث خلالها، وبعد ذلك يقوم فينس ببيع هذه العروض على اشرطة الفيديو بعد نهاية العرض.
ليصل ماكمان سريعا الى قمة نجاحه مع مهرجان راسلمينيا الثالث، والذي حضره اكثر من 92 الف متفرج من الملعب وهو اكبر حشد لحدث ترفيهى فى العالم عبر التاريخ، ماكمان حطم جميع الارقام القياسية فى تلك الليلة والسبب الاساسي هو مقدرته على جمع مصارع مثل هولك هوغان مع اعجوبة فى المصارعة وهو اندريا ذا جاينت.
وبعد تلك الليلة اخذ الجيمع ينظر الى فينس ماكمان بصورة مختلفة تماما، فمن كان ينتظر فشله السريع بعد مهرجان راسلمينيا الأول بات ينتظر المزيد من نجاحات فينس فى المستقبل، وحتى الحكومة الامريكية نفسها باتت تعامل اتحاد WWF بطريقة مختلفة عن بقية الاتحادات.
ليأتى الحدث الاعظم فى تاريخ المصارعة الحرة منذ بدايتها وحتى يومنا هذا، وكان ذلك حين تحدث فينس ماكمان فى احد اللقاءات التلفزيونية عن المصارعة الحرة ونطق بعدها بالجملة التى اصبحت مصدر جدل الى الآن، فينس فاجأ العالم بأسره وهز عالم المصارعة بشكل خاص وهو يعترف بنفسه وأمام الكاميرا والملايين حول العالم تشاهد بأن المصارعة الحرة التى يراها الناس هى ليست حقيقية.
لا احد كان يعرف ان فينس سيفجر هذه القنبلة فى تلك الليلة، وحتى المذيع نفسه لم يعرف كيف يكمل بقية الحوار وهو يرى ضيفه يحرج نفسه امام مشجعيه ومعجبيه فى كل مكان.
لتغلى الصحافة ووسائل الاعلام فور صدور هذا التصريح من ماكمان، فكيف يتقبل مشجعى المصارعة بأن ما كانوا يشاهدونه طيل ذلك الوقت ليست حقيقة، وان مصارعيهم المفضلين وماكمان كانوا يكذبون عليهم، وأتت عناوين الصحف على شاكلة، الكاذب يخدع الملايين حول العالم، هولك هوغان الجبار ليس الا ممثل مضخم.
فيما تسأل الكثيرون عن السبب الحقيقي الذي يدفع رجل الى المخاطرة بأسم ظل يبنيه طيلة فترة شبابه، ولماذا اختار هذا التوقيت، وهل يفكر ماكمان فى اعتزال عمل المصارعة او بيع الشركة. ليأتى الرد من احد الكتاب المشهورين فى صحيفة نيويورك تايمز، وهو صديق مقرب لفينس ماكمان، وكان التبرير ان ماكمان قد بدأ يعرف ان الجماهير فى طريقها للتشكيك بنزاهة النزالات التى تقام، وان بعضهم قد لاحظ لعملية التمثيل فى الحلبة.
لذا كان عليه ان يتحرك سريعا ليكون هو المسيطر على نوعية المعلومة التى ستوضع فى رأس المشاهدين، فأن كان الناس سيعرفون ان المصارعة تمثيل من مصدر ما، عليه ان يضمن ان يعرف الناس ماهو هذا التمثيل، وان يخبرهم بنفسه ان المصارعة هى لمجرد الترفيه عنهم، وان كانت نتيجة النزال معروفة مسبقا فهذا لا يعنى ان الضربات ليست حقيقية.
وهناك أمر اهم من ذلك، وهو الحكومة الامريكية ولجنة الانضباط فى المناشط الرياضية، فاعتراف فينس بأن المصارعة تمثيل سيعفيه من العديد من الالتزامات، فمصارعيه لن يتم فحصهم بسبب المنشطات بعد الآن كونهم لا ينافسون فى رياضة حقيقية بقدر اعتبارهم كممثلين لهم مطلق الحرية فى ما يفعلونه. وكذلك سيعفى نفسه من الخضوع للمراقبة وزيارات اللجان الطبية للتأكد من سلامة مصارعيه بين الحين والآخر.
ولم يتوقع أحد ان يتخطى فينس هذه المعضلة، فمن كان يشاهد المصارعة فى السابق باهتمام وقلق شديد لمعرفة الفائز فى النزال لن يرضى ان يضيع وقته وهو يعرف ان ما يراه أمامه تمثل وان هناك من يتحكم فى النتيجة، ومن كان يرى هولك هوغان كرجل خارق وهو يتغلب على اعتى المصارعين سينظر اليه بطريقة مخلتفة حين يعرف انه لا يفوز لأنه الاقوى بل لأن الخصم طلب منه ان يخسر أمامه.
وحين توقع الكثيرون نهاية اتحاد WWF حدث العكس تماما وزادت جماهيرية المصارعة بعد تلك الليلة، وسمح الاباء لأبنائهم لمشاهدة المصارعة والذهاب الى عروضهم بعد ان تم اخبارهم ان ما يشاهدونه ليس حقيقة، وان الرجلين الواقفين أمامهما لا يتعاركان بالفعل ولا يأذي أحدهم الأخر، بل على العكس تماما، يحرص كل واحد منهما على سلامة خصمه ويضمن الطاقم التدريبي والطبي المتواجد بالقرب من الحلبة حدوث أي مشكلة فى النزال أو بعده.
يتبع ….
الكاتب: محمد بهاء الدين محمد