عالم المصارعة الحرة وبالأخص اتحاد WWE مليء بالأحداث الغريبة والمثيرة على مدار تاريخه الطويل، والتي تبعث الحيرة والذهول في عقولنا كمشاهدين، ولعل أبرز هذه الاحداث في الآونة الاخيرة ما قد نسميه مجازا بمباراة “فايرفلاي فن هاوس” بين جون سينا و “ذا فيند” براي وايت، والتي سببت جدلا كبيرا واراء متباينة بين اوساط الجماهير والمتابعين لما حملته من دلالات قد لا يفهمها البعض، بسبب استخدام اسلوب سردي مختلف عما اعتاد عليه الجمهور، لذلك دعونا نستعرض في السطور التالية أبرز الدلالات والاسقاطات في هذه المباراة.
ملاحظة: المباراة تتحدث بشكل اساسي عن أكبر المخاوف في حياة جون سينا سواء على المستوي المهني او الشخصي عن طريق الألاعيب الذهنية التي استخدمها براي وايت.
تبدأ المباراة بدخول جون سينا للحلبة بشكل طبيعي وعندما كان يستعد لقول العبارة الشهيرة “مرحبا بكم في الرسلمينيا” يتحول المشهد الى داخل منزل “الفاير فلاي”، ليظهر لنا براي وايت متحدثا عن عالم اخر الجميع متساوي فيه ولا يوجد فرق بينهم (عالم الفايرفلاي) ثم يرسل بعد ذلك تهديدا لجون سينا بأنه سيواجه أخطر خصم له على الاطلاق، وهذا الخصم هو جون سينا نفسه.
اولا: الانطلاقة السيئة (الدبيو):
يدخل جون سينا الى منزل براي وايت وتخبره الدمى الموجودة ان وايت خرج من هذا الباب، وعندما يغادر سينا تظهر له فجأة دمية فينس مكمان، والتي تبدأ الحديث بنفس البرومو الشهير الذي القاه مكمان عام 2002 والذي كان بداية حقبة “الروثلس اجريشن” التي استمرت حوالي ست سنوات.
والمصادفة انه بعد هذا البرومو بثلاثة ايام فقط كان الظهور الأول لجون سينا في عرض سماكداون امام كيرت انجل (الذي جسد دوره براي وايت)، عندما قام الاخير بتحدي أي مصارع بالكواليس للظهور ومواجهته، وهذه تعد اول خيبة امل في حياة جون سينا (وذلك يتمثل في فشل سينا في صفع براي وايت كما فعل سابقا مع انجل)، فبعد تلك الانطلاقة اصبح سينا في حالة لا يحسد عليها نتيجة لعدم امتلاكه لشخصية ينتج عنها تفاعل الجمهور معه، لدرجة انه صرح في احدى المرات انه كان سيتعرض للطرد لولا ان جاء بشخصية الرابر التي انقذته من هذا المصير.
يوجد ايضا اسقاط اخر في تلك الفقرة، وذلك عندما قام براي بغناء عبارة نيكي بيلا المرافقة لموسيقى دخولها في اشارة لفشل سينا في علاقاته العاطفية وخوفه من الالتزام والانجاب.
ثانيا: ساترداي نايت لايف ماين ايفينت:
تبدأ هذه الفقرة ببراي وايت وهو يقوم بتقليد نجوم تلك الفترة، ثم يتبعه سينا وهو يقوم ببعض التمارين باستخدام الدامبلز، مؤديا دور المصارع مفتول العضلات التي تحبه الفتيات، وهذه الفقرة تحديدا تحتوي على الكثير من الاسقاطات والدلالات:
ملاحظة: ساترداي نايت لايف ماين ايفينت: هي عروض اسبوعية قديمة كانت تقام في حقبة الجولدن ايرا، وقد بدأ بثها منذ عام 1985.
1- فشل جون سينا في رياضة كمال الاجسام: من المعروف ان أحد الاسباب الرئيسية التي ادت الى تحول جون سينا الى عالم المصارعة الحرة هو فشله سابقا في عالم كمال الاجسام، وانه لم يكن ليصبح واجهة الاتحاد بدون بنيته الضخمة.
2- فينس مكمان يحب ذوي البنية الضخمة: وهنا نجد سخرية من حقبة الجولدن ايرا التي تمثلت في هوجان وامثاله من ذوي البنية الضخمة، واسلوب الحديث الكاريكاتوري الذي كانوا يتبعونه، ثم بعد ذلك التحول الى “حقبة النيو جينريشن” المتمثلة في شون مايكلز وبريت هارت وغيرهم من النجوم.
3- الدجاجة التي تبيض ذهبا: لا يخفى على أحد ان جون سينا هو أكثر النجوم في التاريخ تحقيقا للأرباح ولكن ما علاقة ذلك بسياق الحديث؟!
إذا لاحظنا في اخر الفقرة نجد ان سينا قام برفع الدامبلز عددا كبيرا من المرات حتى اصابه الارهاق، ولكن من ناحية اخرى نجد “دمية فينس مكمان” تقول “استمر في الرفع”، في اشارة الى ان مكمان يستنزف طاقة نجومه ويحملهم ما لا يطيقون وان الربح المادي هو هدفه الاول.
ثالثا: الرابر الفاشل:
تتوالى الاحداث لنجد سينا في زي شخصيته القديمة “دكتور اوف ثاجنومكس”، الذي يدخل للحلبة ويبدأ في التحدث بطريقة الرابر، ولكننا نلاحظ على الجانب الاخر براي وايت يستمع له دون اي تفاعل، وذلك كعلامة على عدم تحقيق سينا لنجاح ملحوظ كرابر (المقصود خارج الاتحاد وليس الشخصية نفسها).
في نفس الفقرة ايضا نجد براي وايت (مجسدا حال النجوم تلك الفترة) يتحدث عن الفرص، وكيف ان سينا كان يتعمد اظهار نقاط ضعف خصومه والسخرية منهم عندما كان يجسد تلك الشخصية، مما كان يتسبب في اهتزاز صورتهم امام الجمهور، كما اشار ايضا لغرور سينا وحبه للظهور وتسليط الاضواء عليه باي طريقة كانت، بالإضافة لكونه الفتى المدلل لدى الاتحاد.
رابعا: سوبر جون سينا:
دعونا نعود بالتاريخ الى عام 2014 وتحديدا عرض الرسلمينيا في نسخته الثلاثين، حيث تواجه وايت وسينا للمرة الاولى في تاريخهم، وقد انتهت المباراة بفوز الاخير بعد مباراة جيدة ونتيجة سيئة في نظر الكثير من الجماهير، وبغض النظر عن النتيجة فان الجميع يتفق ان براي وايت منذ تلك المباراة لم يعد كالسابق.
هذه المباراة التي فشل وايت فيها ان يخرج الجزء الظلامي في شخصية جون سينا، ولكن يبدو ان الاوان لم يكن قد فات بعد كما كنا نعتقد، اذ اننا نجد التاريخ يعيد نفسه من جديد وفي عرض الرسلمينيا أيضا، ولكن الفارق الوحيد هو ان براي وايت وجون سينا لم يعودا نفس الشخصين اللذان تواجها من ست سنوات، ونلاحظ ان سينا حاول اصلاح الخطأ الذي ارتكبه سابقا عندما امتنع عن ضرب وايت بالكرسي ولكنه يفشل في ذلك.
خامسا: التحول للشخصية المكروهه:
هولك هوجان البطل الخارق والمصارع الاكثر شعبية في عصره، من كان ليصدق انه قد يتحول ابدا للشخصية المكروهة وقتها بعد كل النجاح والشهرة التي جناها من شخصيته السابقة، ولكن المعجزة تحدث وتحديدا في عرض “باش ذا بيتش” عام 1996، وتطل علينا العصابة الاشهر على الاطلاق NWO، وتغير معها عالم المصارعة الحرة الى الابد.
ولكن هوجان ليس موضع الحديث هنا، ولو انه ليس ببعيد عن مرادنا، فبطل حكايتنا عاش نفس الظروف تقريبا لأكثر من خمسة عشر عاما، نعم يا سادة انه جون سينا الذي لم نرى له الا وجها واحدا حتى الان، البطل الذي يعشقه الاطفال ويمقته غالبية الشباب والكبار، واجهة الاتحاد لأكثر من عقد من الزمان، المصارع الاشهر على الاطلاق والاكثر شعبية وجنيا للأرباح، ولكن انتظروا لحظة قبل ان تنتقدوني، فأنا لست هنا لأمدحه او ما شابه، ولكنني اردت ان اوضح طبيعة المصارع الذي نتعامل معه كي تتفهموا كمية التعقيد في هذه المسألة سواء بالنسبة له او للاتحاد، فهل بعد كل ما ذكرته يأتي شخص بكل سهولة ويطالب بتحوله للشخصية المكروهة، دعني افاجئك عزيزي القارئ واصدمك بالحقيقة المرة، ستيف اوستن “افعى تكساس المجلجلة” الذي هز عالم المصارعة بتحوله للشخصية المكروهة وتحالفه مع عدوه اللدود فينس مكمان في الرسلمينيا 17، صرح في احدى المرات ان اكثر شيء ندم عليه في مسيرته هو تحوله للشخصية المكروهة، بسبب ان شعبيته لم تعد كالسابق منذ ذاك الحين على حد قوله.
دعونا نعد لمباراتنا مرة اخرى، لنرى جون سينا بملابس عصابة NWO الشهيرة، وبراي وايت مجسدا شخصية “ايريك بيشوف” ليتبادل الاثنين علامة “تو سويت” ولكن فجأة يهجم سينا على وايت ويضربه بغضب كبير مُستعيدا اسوء ذكرياته (عرض وان نايت ستاند 2006، خسارته من سي ام بانك 2011، خسارته من ذا روك 2012، خسارته من تيكر 2018، الى اخره)، تلك اللحظات التي كان من الممكن ان يتحول سينا فيها للشخصية المكروهة ولكنه لم يفعل نتيجة لأسباب كثيرة كما وضحنا سابقا.
بعد ذلك يتضح ان سينا يضرب احدى دمى براي وايت، وبعدها مباشرة يظهر “ذافيند من خلفه”، وفي الخلفية نسمع العبارات المسيئة التي وجهها سينا له سابقا، ثم يقوم وايت بتنفيذ ضربته القاضية على سينا، ويختفي الاخير في اشارة قد تحمل معنيين، الاول هو اعتزال جون سينا وهو احتمال مستبعد بالنسبة لي، والثاني يتمثل في حدوث تغير في شخصيته عند عودته الى العروض مرة اخرى.
إعداد صديق الموقع: محمد سامي (SEMWA)
يسعدنا أن تشاركونا آرائكم ومناقشتها في قسم التعليقات بالأسفل،
و لأية اقتراحات ولإرسال المشاركات الرجاء التواصل مع أي من مشرفي الموقع. شكراً